كانت أولى تجاربي كمدرب في مجال التصوير والمونتاج مع أكاديمية الإعلام الجديد تجربة مليئة بالتحديات والإلهام. لم تكن مجرد ورشة لتعليم تقنيات التصوير أو أدوات المونتاج، بل كانت رحلة لاستكشاف عمق الصورة كأداة للتعبير وسرد القصص.
الصورة: أكثر من مجرد إطار بصري
بدأت الورشة بتوضيح مفهوم أساسي للمشاركين: الصورة ليست مجرد مشهد ساكن، بل لغة قادرة على نقل الأحاسيس والأفكار. الكاميرا، رغم بساطتها كأداة، تمتلك قدرة غير عادية على إعادة تشكيل الواقع، وذلك عبر زاوية التصوير، حركة العدسة، وزمن اللقطة.
ركزنا على سؤال محوري: كيف يمكن للصورة أن تحكي قصة؟
قد يبدو الأمر بسيطًا، لكن عندما تبدأ في التفكير في عناصر السرد البصري، ستدرك أن كل قرار تصويري يؤثر على الرسالة النهائية:
- اختيار الزاوية يمكن أن يُظهر القوة أو الضعف.
- حركة العدسة يمكن أن تعبر عن التشويق أو الهدوء.
- توقيت اللقطة يمكن أن يُحدث فرقًا بين مشهد عابر ومشهد يبقى في الذاكرة.
المونتاج: قلب القصة النابض
بعد مرحلة التصوير، جاء دور المونتاج، وهو المكان الذي تتشكل فيه القصة فعليًا. أوضحت للمشاركين أن المونتاج ليس مجرد ترتيب للمشاهد، بل هو أداة قوية لخلق تأثير عاطفي وترك انطباع دائم.
ناقشنا أهمية:
- اختيار الترتيب الزمني: هل تبدأ القصة من المنتصف؟ من النهاية؟ كيف تؤثر هذه القرارات على المتلقي؟
- الإيقاع: كيف يغير سرعة القطع بين المشاهد من إحساس المشاهد بالوقت والتوتر؟
- الصوت والموسيقى: كيف يمكن لهما أن يعززا السرد أو يقلباه تمامًا؟
من خلال تمارين عملية، جرب المشاركون كيف يمكن لمشهد واحد أن يحكي قصصًا مختلفة تمامًا فقط بتغيير طريقة مونتاجه.
التحول الفكري للمشاركين
اللحظة الأكثر إرضاءً بالنسبة لي كمدرب كانت عندما بدأ المشاركون يتوقفون عن التركيز على الأدوات التقنية فقط، وبدأوا يسألون أسئلة عميقة مثل:
- لماذا أختار هذه الزاوية؟
- ماذا أشعر عندما أشاهد هذا المشهد؟
- كيف يمكن لهذه اللقطة أن تخدم القصة التي أريد سردها؟
هذه الأسئلة تعكس تحولًا فكريًا مهمًا. لأن صناعة المحتوى المؤثر لا تبدأ بالكاميرا، بل بالوعي.
القصة التي لا تنتهي
في نهاية الورشة، لم تكن النتائج مجرد مقاطع فيديو جميلة، بل كانت قصصًا صاغها المشاركون بعناية وشغف، المبدعين الذين لا يكتفون بالتصوير، بل يسعون لسرد قصص ذات معنى وتأثير.
رسالة ختامية
الصورة ليست مجرد مشهد يُلتقط، والمونتاج ليس مجرد ترتيب. كلاهما أدوات لصياغة قصص تستحق أن تُروى.
بالنسبة لي، كانت هذه التجربة تذكيرًا بأن نقل المعرفة لا يقتصر على تقنيات وأدوات، بل هو إلهام الآخرين لرؤية العالم بعيون جديدة.
صناعة المحتوى ليست فقط عن “كيف”، بل عن “لماذا”. وهذا “اللماذا” هو الذي يصنع الفرق


