في خضم التحولات الرقمية التي يشهدها العالم، يبرز دور صناع المحتوى كشريحة مؤثرة في تشكيل الرأي العام وصناعة القيم. خلال مشاركتي كمدرب في المخيم الصيفي بأكاديمية الإعلام الجديد في دبي، أتيحت لي الفرصة للعمل مع مجموعة متميزة من الشباب، حيث ركزنا على مهارتين أساسيتين: بناء الهوية الرقمية وصناعة المحتوى الهادف.
البراند الشخصي: هوية لا شعار
بدأنا بتفكيك مفهوم البراند الشخصي، وهو مفهوم غالبًا ما يُساء فهمه. وضحتُ للمشاركين أن البراند الشخصي ليس مجرد شعار أو لوجو، بل هو انعكاس للجوهر والقيم والأسلوب.
الهوية الرقمية الشخصية هي ما يراه الناس ويشعرون به عند التفاعل مع محتواك. إنها رسالتك وقصتك والطريقة التي تختار بها تقديم نفسك عبر منصات التواصل. أكدنا على أن البراند الشخصي يجب أن يكون حقيقيًا ومستدامًا، يعكس شغف الشخص وأهدافه بدلاً من محاكاة ما هو رائج فقط.
اكتشاف الشغف: البداية لكل شيء
خصصنا جلسات مكثفة لمساعدة المشاركين على اكتشاف شغفهم وتحديد رسائلهم. الشغف هو المحرك الأساسي لأي صانع محتوى ناجح. جلسات النقاش والتمارين العملية أظهرت تنوعًا كبيرًا في اهتمامات المتدربين، من التعليم إلى الصحة النفسية، ومن الفنون إلى الرياضة.
كل مشارك قام برسم خريطة لهويته الرقمية، تضمنت:
- قيمه الشخصية: ما الذي يمثلونه؟
- رسالتهم: ما الذي يريدون تغييره أو التأثير فيه؟
- جمهورهم المستهدف: من هم؟ وكيف يمكن الوصول إليهم؟
كانت هذه العملية تجربة تعليمية فريدة، حيث اكتشف كل متدرب مساحته الخاصة، وتعلّم أن البراند الشخصي يبدأ من الداخل، من القيم والشغف.
من الفكرة إلى التطبيق: تحويل الهوية إلى محتوى
لم يكن التدريب نظريًا فقط. استخدمنا منصات مثل إنستغرام وتيك توك كأدوات لتطبيق الأفكار.
- أنتج المشاركون مقاطع قصيرة تعبر عن هوياتهم الرقمية.
- تضمنت الأعمال محتوى علميًا موجّهًا للأطفال، رسائل نفسية داعمة، وأفكار إبداعية في الترفيه والتعليم.
النتائج كانت ملهمة، حيث أظهر الشباب فهمًا عميقًا لكيفية تحويل القيم إلى محتوى حقيقي يترك أثرًا.
الإحساس بالمسؤولية: أساس التأثير المستدام
ما أثار إعجابي بشكل خاص هو الشعور العالي بالمسؤولية لدى المشاركين. فهموا أن صناعة المحتوى ليست مجرد سباق لتحقيق المشاهدات أو اللحاق بالترند، بل هي مسؤولية.
المحتوى الذي يقدمه الفرد يعكس شخصيته، وقدرته على الإسهام في تحسين مجتمعه. خلال النقاشات، كان واضحًا أن المشاركين يدركون أهمية البراند الشخصي في بناء الثقة مع الجمهور، وأن الاستمرارية تتطلب الالتزام بالرسائل الهادفة والقيم الحقيقية.
خلاصة التجربة: جيل يصنع القيمة
عند انتهاء المخيم، شعرت بفخر كبير بما رأيته. غادرت الأكاديمية وأنا أرى جيلًا جديدًا من صناع المحتوى، ليسوا مجرد مقلدين أو ملاحقين للترندات، بل قادة يعرفون تمامًا ما يريدون.
هؤلاء الشباب يحملون أدواتهم الرقمية كمنصات لبناء مستقبل أفضل، ويُظهرون فهمًا عميقًا لدورهم في صناعة محتوى يُضيف قيمة حقيقية للحياة الرقمية.
رسالة أخيرة
لكل صانع محتوى هناك سؤال جوهري يجب أن يطرحه دائمًا: لماذا أفعل هذا؟
الإجابة عن هذا السؤال هي التي تحدد مدى عمق تأثيرك واستمراريتك.



