الصورة التي هزّت الضمير: رسالة لا يجب أن تضيع | محمد لباد

في عالم يتسابق فيه الجميع لتقديم محتوى، كيف يمكن لصانع المحتوى أن يترك أثرًا حقيقيًا؟ هذا السؤال كان جوهر ورشة العمل التي قدمتها في مدينة العين ضمن فعاليات أكاديمية الإعلام الجديد، بالشراكة مع المدرب أحمد بسيوني حيث سعينا لتسليط الضوء على أهمية الرسالة والقيمة في صناعة المحتوى.

البداية مع صورة هزّت العالم

استهللنا الورشة بعرض الصورة التي التقطها المصور كيفن كارتر عام 1993 لطفل سوداني يتربص به نسر. الصورة، التي فازت بجائزة بوليتزر، لم تكن مجرد عمل فني، بل رسالة إنسانية مؤلمة أثارت العالم وأشعلت النقاشات حول دور صانع المحتوى ومسؤوليته الأخلاقية.

لم تكن الصورة مجرد لقطة، بل نموذجًا مثاليًا للسرد القصصي البصري الذي يمكنه تغيير وجهات النظر وتحفيز العمل. لقد طرحت تساؤلات عميقة:

  • هل يكفي تقديم الصورة؟
  • هل يجب أن يحمل المحتوى رسالة أعمق؟
  • ما هي حدود مسؤولية صانع المحتوى؟

هذا النقاش فتح الباب أمام المشاركين للتفكير في أدوارهم كصناع محتوى وكيف يمكن أن تحمل أعمالهم رسائل ذات معنى.

لماذا نصنع المحتوى؟

أحد المحاور الأساسية للورشة كان طرح سؤال يبدو بسيطًا لكنه جوهري: لماذا نصنع المحتوى؟
دعونا المشاركين للتفكير في الإجابة بعيدًا عن الحوافز المادية أو التوجهات الرائجة.

  • ما الذي يدفعك لمشاركة قصة أو فكرة؟
  • كيف يمكن أن تضيف قيمة إلى جمهورك؟
  • هل تعكس أعمالك قناعاتك الشخصية ورسالتك؟

أكدنا أن المحتوى الحقيقي لا يأتي من مجرد الرغبة في الانتشار، بل من الإيمان بقضية أو قصة تستحق المشاركة. عندما يكون لديك “لماذا”، يصبح “كيف” و”ماذا” أوضح وأسهل.

السرد الإنساني وقوة التأثير

طلبت من المشاركين أن يبتعدوا عن إعادة إنتاج ما هو شائع، وأن يقدموا قصصًا تعكس تجربتهم وشخصياتهم. السرد الإنساني، الذي ينطلق من الصدق والقناعات الشخصية، هو ما يميز المحتوى العابر عن المحتوى الذي يبقى في الذاكرة.

تناولنا أمثلة عملية لكيفية سرد القصص بطريقة تجعل الجمهور يشعر بأنه جزء منها. استخدمنا تمارين ساعدت المشاركين على الغوص في أعماق تجاربهم الخاصة، وتحويلها إلى محتوى غني وعاطفي.

ناقشنا أيضًا كيف يمكن للبساطة والمصداقية أن تكونا مفتاح النجاح، حيث يفضل الجمهور دائمًا من يتحدث من القلب وبأسلوب بعيد عن التزييف.

المكان كحافز للإبداع

عُقدت الورشة في بيت محمد بن خليفة، وهو مكان له تاريخ وروح تروي قصصًا بصرية وثقافية. استغللنا المكان كأداة لتحفيز الإبداع لدى المشاركين. طلبت منهم أن ينظروا إلى الزوايا والتفاصيل في المكان، وأن يستلهموا منها أفكارًا لمحتواهم.

كانت كل زاوية في البيت تحكي قصة، وكأنها تدعو المشاركين لتقديم أعمال تعكس روح المكان وتراثه. هذه التجربة جعلت العمل أكثر ارتباطًا بالواقع، وأكثر أصالة.

اختتمت الورشة برسالة مهمة: صورة واحدة قد تغيّر حياة.
المحتوى ليس مجرد وسيلة للتواجد الرقمي أو كسب المال، بل يمكن أن يكون أداة للتغيير، لتحفيز التفكير، ولترك أثر طويل الأمد.

طلبت من المشاركين أن يفكروا في المحتوى الذي يريدون تركه وراءهم، وأن يركزوا على القيم التي يرغبون في إيصالها لجمهورهم. فالرسائل التي تُحكى بصدق ووضوح، تملك قوة تفوق أي أداة أو تقنية.

ختامًا

ورشة العمل لم تكن مجرد فرصة لتعلم تقنيات صناعة المحتوى، بل كانت رحلة لاكتشاف الذات وتحفيز الإبداع. صناعة المحتوى ليست مجرد كاميرا أو فكرة، بل مسؤولية. مسؤولية أن تكون صادقًا مع جمهورك، وأن تقدم شيئًا يستحق أن يُذكر.

في النهاية، صانع المحتوى هو السفير لأفكاره ومبادئه. وكل محتوى يُقدمه هو رسالة تصل إلى العالم. إذا كان هذا العالم مزدحمًا بالأصوات، فإن الصوت الأصدق هو الذي يظل عالقًا في الأذهان.

هل أحببت المقال؟

شاركه الآن

Scroll to Top